إنَّها مسألة وجهة نظر... هكذا أصبح كلُّ شيءٍ في لبنان، فإما أن يرى السياسيّ النصف الفارغ من الكوب، وإما أن يرى النصف الملآن.
لكن وجهة النظر لا تُلغي الوقائع، والوقائع تقول إنَّ هناك سباقاً بين ما يدعو إلى التفاؤل، وبين ما يدعو إلى التشاؤم.
فما يدعو إلى التفاؤل أنَّ لقاء الإعتدال والشركة والمحبة الذي انعقد في روما، بين الكاردينال الراعي والرئيس الحريري، تمَّ التفاهم فيه على كثير من الأمور الرئاسية والنيابية، لكنَّ التفاؤل في روما لم يُترجَم تفاؤلاً في بيروت، بل بقي المتشائمون على تشاؤمهم إنطلاقاً من وقائع يمتلكونها، تجعلهم يرون في تفاؤل روما وجهة نظر.
فالتفاهم على مرشَّح توافقي يصطدم بأنَّ العماد عون ماضٍ في ترشيحه والدكتور سمير جعجع ايضاً، فكيف سيتمُّ التوافقُ في هذه الحال؟
الحلُّ الإيجابيّ الوحيد هو أن يحاول غبطة الكاردينال الراعي، أن يقنع العماد عون بترشيح من يريد، لا أن يكون مرشحاً وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس الحريري مع الدكتور سمير جعجع.
وإلا فإنَّ مسألة إنتخابات الرئاسة مشتتة بين تفاؤل الخارج وتشاؤم الداخل، فهل هي عملية توزيع أدوار للإيحاء بأنَّ الأمور ماشية فيما هي غير ذلك كلياً؟
***
ومسألة التمديد لمجلس النواب ستكون ماشية، على رغم تلويح البعض بالتصويت ضد التمديد، والبعض الآخر بالوصول إلى درجة الطعن به. ومن أبرز الذين سيطعنون، التيار الوطني الحر. وفي هذا المجال عبَّر الوزير جبران باسيل عن رفضه التذرع بالأوضاع الأمنية، فاعتبر أنَّها ليست مقنعةً لأنَّ الأصل هو أن تجرى الإنتخابات، لا أن تؤجّل لظروف مستقبلية غير معلومة. وفي حال حصلت أمور قاهرة في مكان معيّن، يمكن إرجاؤها في هذا المكان إلى وقت لاحق.
ليست هذه وحدها هي العقدة الكأداء، بل هناك جلسات مجلس الوزراء، فمن النادر جداً في هذه الظروف أن تمرَّ جلسةٌ على خير بدليل ما حصل في الجلسة الأخيرة، فبعدما كان القرار بتجاوز البنود المتفجِّرة، إنفجر السجال من مكان آخر وتحديداً بين وزير الأشغال غازي زعيتر ووزير الخارجية جبران باسيل، على خلفية ما أُثير في الجلسة من تباين في الصرف على الأشغال بين المناطق. وحين قدَّم الوزير باسيل مداخلته احتدم النقاش، فردَّ عليه الوزير غازي زعيتر مذكِّراً بالتلزيمات في وزارتَي الإتصالات والطاقة، ولم يتوقَّف السجال المحتدم إلا بعد تدخل رئيس الحكومة تمام سلام.
***
بهذا المعنى يبدو أنَّ البلد يسير من دون بوصلة، وهذا يعني أنَّ مساراته غيرُ واضحةٍ وغيرُ موحّدةٍ على الإطلاق، فبين ليلة وضحاها ينقلب المشهد في لبنان من أقصى درجات التفاؤل إلى أقصى درجات التشاؤم وبالعكس، فما هذا البلد الذي يعيش على بوصلة الأمزجة؟
هذا إذا لم نتطرَّق إلى مسألة العسكريين المخطوفين التي تبدو أنَّها مازالت تراوح مكانها على رغم كلِّ الوعود والجهود.
***
في المحصِّلة فإنَّ البلد باقٍ يتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم، من دون أن يكون هناك طرفٌ سواء أكان داخلياً أم خارجياً، بإمكانه أن يُرجِح الكفة التي يمكن أن تكون الغلبة لها.